Thursday, July 17, 2008

المطاردة



المطاردة محاولة للتخلص من لاشيء


لم يكتف نجيب محفوظ بكتابة الرواية بل كتب عديد من القصص القصيرة والمسرحيات ذات الفصل الواحد، ومسرحية المطاردة (ذات الفصل الواحد) لها مرمى انساني عام، فعادة نجيب محفوظ في كتباته؛ لا يقصد بها رواية الحكايات أو الابهار اللغوي، أظنه كان يكتب بهدف فلسفي أولا وأخيرا.
المطاردة تروي احداث هزلية أو فنتازية غير منطقية، لعل اختيار التكنيك المسرحي كان مناسب جدا للتعبيرعن تلك الحالة من الضياع والخوف الذي يتحول إلى خوف مرضي من المجهول.
تحكي المسرحية عن صديقين يطاردهما رجل واحد، كما جاء وصفه على لسان الكاتب (متين البنيان، قوي بصورة واضحة، يرتدي قميصا أسود وبنطلونا أسود، رغم قوته وشباب ملامحه لا توجد شعرة سوداء واحدة في رأسه الأبيض...ناظرا أمامه نظرة مجردة بعيدة المرمى وهو يحرك قدميه _ محلك سر_ طيلة الوقت...يضرب الهواء بسوطه فيحدث طرقعة شديدة...).
ظل هذا الرجل طيلة العمر يطارد الشابين حتى بلغا مرحلة متقدمة من العمر إلا انه لم يتغير لا شكله ولا موقفه.
بطلا المسرحية (الأبيض والأحمر) أحدهما واقعي التفكير والآخر خيالي التفكير.
لكن مع سير الأحداث وتسلسلها يمكنك أن تدرك أنهما رجل واحد بجانبيه المنطقي واللامنطقي، حتى عندما فكرا في الزواج فكرا في امرأة واحدة فقط وتزوجاها معا، والطريف أن الزوجة تعرفت على الرجل الذي يطاردهما واكتشسفا أنها تعاني من مطاردته أيضا، وعندما تقدم بهما العمر وفكروا في زوجة آخرى شابة تعرفت أيضا على المطارد لكن هذه المرة بلا مبالاة.
الاحداث كلها تدور حول كيفية التخلص من ذلك الشيطان الذي يطاردهما بلا كلل في لعبهما، في عملهما، حتى لجأوا الى تغيير في شكلهما بلا فائدة، وفي نهاية المسرحية قد لجأوا جميعا إلى عمليات التجميل لعله لا يتعرف عليهم.
لعل معاناتهم جميعا من المطاردة ماهي الامحاولة طبيعية انسانية للتخلص من شبح المجهول الذي نشعر جميعا أنه يطاردنا في كل مكان وزمان، لكن حيث أن الأسلوب مسرحي كان لابد من المبالغة.
والخطأ الذي وقع فيه أبطال المسرحية جميعا هو أنهم ركزوا اهتمامهم في التخلص من الشيطان الذي يطاردهم، دون محاولة فعليه لعمل شيء مفيد أو البناء لمستقبلهم، فلو أنهم تجاهلوا مخاوفهم لصارت الحياة أكثر راحة وسعادة مما وصلوا إليه.
وربما هو الخطأ الذي نقع فيه اغلبنا إن لم يكن جميعنا وهو محاولة الهروب من شبح ومخاوف المستقبل دون ان نخطط لبناء مستقبل افضل.
وكانت نهاية المسرحية أن جعلهما الخوف لاشيء (الأبيض والأحمر يتلاصقان، يحاولان مغادرة المكان، لكن قدميهما لا تسعفانهما، يسقطان، يزحفان على أربع إلى الخارج حتى يختفيا تماما...).


3 comments:

hasona said...

السلام عليكم

عندما يطارد الانسان شئ من صنعه - أو خيالا
فيكون العلاج فلسفي
ومن ثم يصير الانسان ويتوقف تفكيره عند حاجة معينة التخلص من الخوف أو من مصدره
ويخرج من الدنيا بلا أضافات
ويختفي بلا أثار

أحيك علي الاختيار

راندا رأفت said...

شكرا يا حسونة على المتابعة

كل التحية

الشاعرة اسماء عبد الفتاح said...

جميل جدا مقالك يا راندا
واتمنى لك المذيد من التقدم والنجاح